03 Februari 2010

أراء المفسرين في استخدام لفظ الجلالة لغير المسلمين



قضيةُ استخدامِ غير المسلمين في ماليزيا لِلَفظِ الجلالة ما زالت ساخنةً، تُثِير رُدُودَاتٍ كثيرةً وتَسْتَدْعِي أصحابَ الوجوه – مِن الحكومة وغير الحكومة – إِلَى إبداء آرائهم المختلفة بين الجواز والمنع. فمِنهم مَن أجازَه مع قيُوُد معينة. ومنهم من منعه منعا بَتاًّ ولا يُجِيْزُه بِحَال من الأحوال


هذه القضية أتَتْ فُجْأَةً، لأنه قد مضى زمن طويل ولم يُعرَفْ في تاريخ ماليزيا – مُنْذُ يوم استقلاله – استخدامُ لفظ "الله" مِنْ قِبَلِ غَيْرِ المسلمين في عباداتِهم ومنشوراتِهم ومحاضراتِهم إلا في سَابَهْ وسَرَاوَقْ، حيث نُقِلَ إلينا أن غير المسلمين في تلك الْمَنَاطِق قد استَعْمَلُوا ذلك اللفظَ قبل حلول الاستقلال

إلى الآن، مُسلِمُو ماليزيا عامة يتساءلون ويَسْتَفْهِمُون بل ويَتَحَيَّرُون، لماذا يأتي الطلب الآن؟ ما الغَرَضُ وراء هذا الطلب؟ لذلك، كثير من المسلمين يظنون ظنا راجحا أن هناك تخطيطاتٍ خفيةً ماكرةً ونَوَاياَ سيئة تَسْتَهْدِف عقائدَ المسلمين عَبْرَ هذا الطلب. وهذا ليس ظنا سيئًا بِهِمْ، بل له أساسٌ في القرآن
فكل مَنْ دَرَسَ النَّحوَ فَهِمَ معنى لَنْ. وهي تُكَرَّرُ مَرَّتَيْنِ في الآية لِزيادة تأكيد حِقْدِ غير المسلمين بالمسلمين، وأن هذا الْوَصْفَ مستمرٌّ إلى يوم القيامة


المجيزون

لِنَفْهَمَ أن هؤلاء الذين يجيزون استخدام لفظ الجلالة من غير المسلمين وضعوا قيودا معينة كيلا يتلاعب غير المسلمين بهذه الكلمة الجليلة وتُضَيِّقُ فرصتهم (على الأقل) لتضليل المسلمين مِنْ خِلاَلِهَا. وهذا الفريق لا يذهب بالمنع لأن الآيات القرآنية مع تأويلات كبار المفسرين تقر هذا الاستعمال وإن كان منحرفا

إلا أن الشروط التي وضعوها ما كانت إلا عملا بسد ذرائع التحريف والتضليل ما أمكن


المانعون

أما المانعون، فإنهم – كما بدى لي – ينطلقون مِن مبدإ الغِيْرة على الإسلام والمسلمين ويأخذون بموقف الحذر والاحتياط واحتج هؤلاء بالعادة السائدة لَدَى مسلمي غير العرب في استخدام كلمة "رب" أو "إله" للتعبير عن المعبود، ولم يُعهَد لهم استعمالُ لفظ "الله" في عباداتـهم وصلواتـهم ومحاضراتـهم ومَنْشُورَاتِـهم. لذا، يُعْتَبر طلبُهم في هذه القضية طلبا غريبا يكمن فيه مكرٌ وتخطيطٌ لِتَضلِيلِ عَقِيْدَةِ الْمُسلِمِين وتحريفها عن الجادة المستقيمة. فأسرعوا في حسم الأمر وأغلقوا الباب إغلاقا مُحْكَمًا

وهؤلاء أيضا يَسْتَنْكِرُون الْمُجيزين – ولو بشروط – أشد إنكار واعتَبَرُوهَا ملغاةً لا تَسْتَنِد إلى أَيِّ دَلِيل أو تَبْرِيْر شَرْعِي، ويَرَون أنه ليس هناك آية قرآنية تُؤَيِّد الْمُجيزين ومِنْ ثَمَّ تجوِّز استخدام لفظ الجلالة لغير المسلمين. ويقولون بأن لفظ "الله" في الآيات المعروفة إنـما يفهم بمعناه العام (أي الله بمعنى إِلَهٍ) وليس بمراده المعروف

ويرون أيضا أن القرآن عندما يحكي عن إقرار غير المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالإله الخالق - مستخدِمًا لفظَ "الله" – إنما يُرَاعِي مشركي مكة به (لأن فطرتـهم اعتَرَفَتْ بالإله الخالق) أو لفظ "الله" كان مُتَرْجَمًا عن اللغة العبرانية (إذا يَقُصُّ القرآن عَنِ اعْتِرَاف أهل الكتاب بالْخَالِق). ويذهبون بأن لفظ "الله" ينقسم إلى معنَيَيْن، معناه اللغوي الذي استخدمه غير المسلمين، ومَعْنَاه الاصطلاحي الذي اعتقده المسلمون عامة


نتيجة التعصب

إضافة إلى ذلك، فإن البعض منهم يَتَّهِمُونَ الْمُجِيزين بالخضوع تحت ضغط السياسة ويجعلونـها رَباًّ، ويَدَّعُون بأنّهم تَمَسَّكُوا بظواهر النصوص واستنبطوا منها استِنْبَاطا سَطْحِياًّ، وأنّهم تَسَاهَلُوا في الاستدلال وَلا يجتهدون فيه حَقَّ الاجتهاد


ومن الغرابة، أن المانعين – كما بَدَوْا – يُكثِرُون من الهجوم على المجيزين دون إِقناَعِ خُصُومِهم بالْحُجَّة المعتبرة من القرآن أو السنة أو القَوَاعِد الْعِلْمِية. يَرُدُّون حُجَجَ الْمجيزين ولا يَحُلُّوْنَ محلَّها أَيَّ حُجة بالِغَة! وكأنَّ الانْفِعَالَ هُو الْباَعِثُ في الرد على الخصوم!؟

أقوال المفسرين

سبق آنفا أن القضية ما زالت تُشَكِّل الْحِيْرَةَ لمسلمي ماليزيا خُصُوصًا لِعَوامِّهِمْ. فهؤلاء أ­مام طائفتين مُتَنازِعَتيْن في معركة المناظرة والمجادَلة. ولا يتميَّزون بين الصواب والخطأ. وهذه الحيرة لا ينبغي أن يدوم ويستمر صونا لاتحاد الأمة من التَمَزُّق. وربنا عز وجل قد أعطانا الْحِلَّ عند حُدُوثِ الْمُنَازعة وهو العودة إلى الكتاب والسنة . فقال جل ثناءه
فقد بيَّن سبحانه وتعالى أنه إذا حدث التَنَازُعُ بين الطرفين أو الأطراف، رُدَّ الْحُكْمُ إلى كتاب اللّه، أو إلى رسوله بالسؤال في حياته، أو بالنظر في سنته بعد وفاته صلّى اللّه عليه وسلّم. فماذا يقول القرآن إذَنْ؟

من أمهات التفاسير
عملي في هذه المقالة هو نَقْلُ أقوال المفسرين حول الآيات التالية

سورة الزمر : الأية 38
سورة الزخرف : الآية 9 و 87
سورة لقمان : الآية 25
سورة العنكبوت : الآية 61 و 63


قدر المستطاع. لعلَّها تخفِّف حرارَةَ التعصب وتُزيل الإشَكَال وتزيد الفائدة. وأكتفي بذكر نُبذَةٍ من الحجة من تَفْسِيْر الرازي والقرطبي والخازن. فَمَنْ أراد التفاصيل فليَطَّلِعْ في أمهات التفسير


من تفسير الرازي

أصل لفظ الجلالة
المسألة الثالثة : في كيفية اشتقاق هذه اللفظة (الله) بحسب اللغة. قال بعضهم : هذه اللفظة ليستْ عربية ، بل عبرانية أو سريانية ، فإنهم يقولون إلهاً رحماناً ومرحيانًا. فلما عُرِّبَ جعل «الله الرحمن الرحيم». وهذا بعيد ، (وحجته) ولا يلزم من المشابَهَة الحاصلةِ بيْن اللُّغَتين الطَّعْنُ في كون هذه اللفظة عربيةً أصليةً. والدليل عليه قولُه تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } [ لقمان : 25 ]

من تفسير القرطبي

زخرف الآية 9 : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } يعني المشركين { مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيزُ العليم } فأقرّوا له (لله) بالخلق والإيجاد ، ثم عبدوا معه (الله) غيرَه جهلاً منهم. - وهذا مبدأ إِشْرَاك، لذلك لُقِّبُوا بالمشركين لِشِرْكهم بالله غيره

العنكبوت الآية 63 : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً } أي من السحاب مطراً . { فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا } أي جَدَبَها وقَحَطَ أهلَها . { لَيَقُولُنَّ الله } أي فإذا أقررتُمْ بذلك، فلِمَ تُشرِكُونَ به وتنكرون الإعادة؟ . وإذا قَدَر على ذلك فهو القادر على إغناء المؤمنين؛ فكرر تأكيداً . { قُلِ الحمد لِلَّهِ } أي على ما أوضح من الحجج والبراهين على قدرته (تعالى). { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } أي لا يتدبرون هذه الحجج . وقيل : «الْحَمْدُ لِلَّهِ» على إقرارهم بذلك بقدرة الله تعالى

الزمر الآية 38 : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } أي ولئن سألتهم يا محمد { مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } بَيَّنَ أنَّهم مع عبادتهم الأوثانَ مُقِرُّون بأن الْخَالِقَ هو الله

مِن تفسير الخازن

الزخرف الآية 9 : { ولئن سألتهم } أي ولئن سألت يا محمد قومك { من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم } يعني أنـهم أقروا بأن الله تعالى خلقهما وأقروا بعزته وعِلْمِه ومع إقرارهم بذلك عبدوا غيره وأنكروا قدرته على البعث لفرط جهلهم

الزمر الآية 38 : { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } يعني أن هؤلاء المشركين مقرون بوجود الإله القادر العالم الحكيم ، وذلك متفق عليه عند جمهور الخلائق

لقمان الآية 25 : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
يقول تعالى مخبرًا عن هؤلاء المشركين به: إنهم يعرفون أن الله خالقُ السموات والأرض، وحدَه لا شريك له، ومع هذا يعبدون معه شركاء يعترفون أنها خَلْقٌ له وملك له.

الخلاصة


وَصَفْوَةُ القول أن التفاسير الآنفةُ الذِّكر وَضَّحَتْ لنا أمرًا واحدًا وهو أن لفظة "الله" في الآيات القرآنية لا تأتي إلا بمعناها المعروف وهو إله لا شريك له ومُنَزَّهٌ عن كل ما يليق به. وأن القول بأن لفظة "الله" قد اشتُقَّتْ مِن لُغةٍ غيرِ عَرَبِيَّةٍ وأن لها معنىً لُغَويًّا عاما رَأيٌ بعيدٌ عن الصواب كما قاله الإمام الرازي. وأن مَنْ ذَهَبَ إلى أن أهلَ الكتابِ ومشركي العرب مستخدمون لِلَفْظة "الله" بمعناها العام مُتَكَلِّف في التأويل وليس له أي دليل مُقنِع أو قاعدة معتمدة من الشرع
ومن ناحية أخرى، فإن على كل عالم أو داع - أينما كانوا - أن يبذلوا جهودهم في تقوية عقيدة المسلمين وأن يتفننوا في أساليب تعليمهم وتدريسهم. وأن يوضحوا للناس معنى "الله" الحقيقي الذي ليس كمثله شيء، وهو الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد


وأخيرا أَؤَيِّد هذا البحث المتواضع بتعليق د. القرضاوي حفظه الله حول هذا الموضوع


يا أخي! اللهُ ربُّ العالمين جميعا، ربُّ الْمُسلِمِين والْمَسِيْحِيِّيْن والعَرَبِ والعَجَمِ.. والذي يَفْتَح المصحفَ (يَجِدُ أنَّ) أولَ آية في القرآن بعد البسملة ((الحمد لله رب العالمين)) وآخرَ سورةٍ في القرآن ((قل أعوذ برب الناس ملك الناس))، ليس (( قل أعوذ برب المسلمين)) أو ((رب العرب))، أو ((ملك العرب))، أو ((إله العرب))،فلماذا إِذَنْ يزعَلُ الماليزيون؟
المراجع
تفسير القرطبي
تفسير الرازي
تفسير الخازن
موقع د. القرضاوي

Tiada ulasan:

Catat Ulasan

Pemuda Ashab Al-Kahfi: Muslim atau Nasrani?

Ibnu Kathir  dalam  Al-Bidayah Wa An-Nihayah  (2/114) menukilkan pandangan sebahagian ahli tafsir bahawa tujuh pemuda tersebut wujud selepas...